Thursday, 7 September 2017

قراءة أولى لفيلم العيد " الكنز "



الكنز.. حيث الجماهير تعرف أكثر
المخرج التسجيلي الكبير سمير عوف عاشق للحضارة المصرية عبر مراحلها المختلفة، الفرعونية والإسلامية والحديثة، القاهرة عنده، الخديوية والفاطمية والفرعونية، هذا التاريخ وهذا التراث هو  الكنز الذي يبحث عن جذوره عبد الرحيم كمال وشريف عرفه في فيلمها الأول معا، الذي انتهى بعنوان" نهاية الجزء الأول" ، حضرت العرض رابع أيام العيد بجواري شاب عربي مع فتاة مصرية لم يستقر في كرسيه لحظة وحين طلبت منه الهدوء، دعاني لتناول البيتزا الساخنة التي أدخلوها إليه وسط العرض، وعن يساري فتيات ومعهن أطفال لم يكفوا أيضا عن الحركة وخروشة أكياس الشيبسي وضربي بالأذرع أثناء إخراج الأطعمة، خلفي بقية العائلة يطلبون مناولتهم ماء. وسط هذه المضايقات تابعت باهتمام ردود أفعالهم وكانت الضحكات ترن حين يلقي ممثل ما بنكتة بلهجة معاصرة تخالف حوار الفترة، فحين يقول أحمد رزق نجمة مغازلا المغنية عدلات يقهقهون، وحين تقول سوسن بدر سلامتك من الآه تتصاعد ضحكاتهم، ما يمكن أن يسميه ناقد متفلسف بكسر الإيهام، الحوار المعتاد والذي يشبه أحاديثهم هو ما يتجاوبون معه، يشعرون بقربه منهم، فيضحكون، ويركزون.
في الاستراحة قالت الفتاة بجواري- غالبا فتاة من النوبة أو أسوان- لمن ورائي، دول تلات أفلام في بعض، لترد الأخرى كلهم عن الظلم. نعم ثلاثة أفلام في فيلم واحد تربطها تيمة واحدة قد تكون الظلم حقا، في الجزء الفرعوني حتشبسوت (أميز النساء) تقاوم سيطرة رجال الدين وظلمهم، مع حبيبها المهندس باني المعابد سننموت، هل نحن بحاجة لأن نكمل القصة أم نعرفها من التاريخ، ومن نسيها منا يمكنه استعادتها ببحث سريع في الانترنت (بعد موت زوجها عاشت قصة حب مع المهندس سننموت باني معبد الدير البحري، وكيف حكمت مصر 20 عاما ازدهرت فيها البلاد) في القصة الثانية في الحقبة المملوكية – ما يعادل قاهرة  سمير عوف الفاطمية- يقاوم على الزيبق قاتل أبيه ويعشق ابنته زينب من النظرة الأولى( حكاية من التراث بنفس أسمائها سنقر الكلبي الحاكم الفاسد وبين نصير الضعفاء على الزيبق المصري) أما الحكاية الثالثة في القاهرة الحديثة في حكم الملك فؤاد نلتقي برجل البوليس السياسي بشير، محمد سعد البطل الضد وقد خلع عنه عته اللمبي وعوكل وكل التشوهات التي تلبسته سنوات حقق له بعضها شهرة شعبية وهجوما من النقاد، هاهم يرضون عنه وتحل عليه بركتهم، التي أتصور أنه في غنى عنها، فما يدريهم أنه لا يجد نفسه أكثر في عوكل وأخواته. بعض التفاصيل كان لابد للمخرج شريف عرفة أن يتخلص منها، واسترسالات في مشاهد حوارية تعوق تقدم الفيلم، مع نجاحه في الانتقال بسلاسة بين الأزمنة، أحيانا بأغنية تتواصل شعوريا بين عدلات وحتشبسوت، وأحيانا بالقطع المباشر، دون أن يشعر المشاهد بالارتباك، أو بالتشوش. المشهد الافتتاحي لابن بشير مع الملفات التي تركها له أبوه تشرح الحكاية كما تعودنا في قصص التراث، والجمهور الذي تربى على حواديت الجدات وقصص ألف ليلة وليلة لن يحتاج شرحا، ولن يبحث عن مستويات تختفي تحت المستوى الأول للحدوتة البسيطة التي أدركها الجمهور الواعي وصعبت على أنصاف مثقفين، افتقدوا مصائر الشخصيات ونسوا ما تعلموه من كتب التاريخ. ما الحاجة إذن لجزء ثان؟ عن نفسي خرجت متشبعة بالفيلم، وصلتني رسالته التي أتصور أنها الهدف ليس في الجملة التي تكررت كثيرا في كل حقبة ( من يريد كل شيء يفقد كل شيء) ولكن عن تواصل حلم التغيير والقدرة على المقاومة مهما اشتد الظلم. في الجزئين الأول الفرعوني، والثاني المملوكي، الصراع مباشر، واضح، وفكرة الانتقام سائدة، والخير سائد أو سيسود. أما في الجزء الأحدث فالصراع نفسي والبطل هو البطل الضد، الذي يمارس الظلم، وبداخله إنسان مختلف يحلم بالحب.
بين السيناريو والإخراج

يدهشنى تكرار انتقاد النقاد لسيناريو فيلم والإشادة بإخراج نفس الفيلم، كيف، أليس المخرج هو صاحب العمل يحمل توقيعه ومسئول عن كل عناصره، وفي المقام الأول السيناريو الذي دخل به التصوير؟  هجوم على السيناريست هناء عطية وإشادة بكاملة أبو ذكري في " حمام السيدات" ، هجوم على أحمد مراد وإشادة بمروان حامد في "الأصليون"، وأخيرا هجوم على عبد الرحيم كمال وإشادة بشريف عرفة أو اندهاش أنه لم يكن على المستوى المعتاد في " الكنز" . هل هم مخرجون أم مساعدي إخراج، أو مخرجون منفذون؟ السيناريو مسئولية المخرج والسرد والإيقاع مسئوليته بعد الاستعانة بمن يراهم محققين لرؤيته.
الحقبة المملوكية ومحمد رمضان أفضل المحاور وأكثرها تكاملا، في تسكين الأدوار، الديكورات والملابس، الحكاية على الربابة، يبدو استيعاب المؤلف للزمن ممتازا والمخرج مع مصوره ومصمم مناظره والملابس متأثرين برسوم المستشرقين في الأسواق، روبي وسوسن بدر، الشحات مبروك كشخص خارج من الحواديت، محور ممتع ومتكامل، محور ملوك أسرة محمد علي، محمد سعد وقد امتلك شخصية رجل السياسة القوي، وضعفه الإنساني حين انجذب للمطربة التي لا تجالس الزبائن، أحمد رزق واستظراف تجاوب معه الجمهور وأجده يخدم دور القواد محلل كل الشرور، شخصية مركبة أجادها شابا، وبدت كارتونية في مرحلة الكهولة مع ماكياج رديء جدا، وانحناء مفتعل للظهر. أمينة خليل تقنع بما يريدون التعبير عنه- المؤلف والمخرج- ، فنانة بس محترمة، هنا البطولة للأشرار، ولا يوجد أخيار بالمعنى العام، حتى أنور السادات ظهر كشخص لعوب، أجاد تقمصه الممثل غير المصري .... ، هزيمة البطل الضد عاطفيا أمام المطربة مريحة للمشاهد وتحقق التطهر، هدف الدراما منذ بدايتها. المحور الفرعوني الأسوأ في الديكورات، ملابس هند صبري بشكل خاص، أحيانا ملابس عصرية محاكة بطرق غير مسجلة في النقوش الفرعونية، في مقابل ملابس الرجال رمزي لينر في دور تحتمس، هاني عادل في دور المهندس سننموت، وسذاجة تبادل النظرات بينهما ما يلحظه الكاهن، محي اسماعيل وقد أضفى روحا كاريكاتورية على الشخصية. هذا الجزء كان الأضعف إخراجيا، والأقل توفيقا في تسكين الأدوار. موكب حتشبسوت وتحتمس الثاني لا يقارن بموكب كلوباترا، اليزابيث تيلور ومارك أنطوني. هل المشكلة في الإنتاج؟ 
 تعددت أساليب الإخراج في الفيلم، فيمكن تشبيه المحور الحديث بفيلم "الطاحونة الحمراء" حيث الغناء عنصر درامي هام مع أداء أحمد أمين، والمطربة عدلات. وأسلوب إخراج أقرب إلى "أمير الانتقام" وشخصية حسن الهلالي لبركات. أما الفرعوني فلا يتعدى التصور المقدم في مسلسلات متواضعة تصور الفراعنة أسوأ من كفار قريش. تعددت أساليب الإخراج مما جعل الفيلم يبدو وكأنها ثلاثة أفلام منفصلة جُمعت ببراعة في المونتاج، في توفيق مشترك بين المخرج والمونتير نجح في إحداث سلاسة في السرد تابعها المشاهد دون معاناة.  أفادتني تجربة حضور الفيلم مع جمهور العيد، نصف المنتبه، نصف الواعي في قياس درجة صعوبة تلقي الفيلم، ووجدت أن الغالبية تجاوبت، ضحكت، تعاطفت، استوعبت أن هناك رابطا واحدا يربط المحاور الثلاثة، أنعشهم ظهور نجمة محببة لهم " روبي" رغم قصر دورها، توحدوا مع محمد رمضان، فارسا مغوارا على حصانه، لم يكرهوا المسئول القوي، الظالم بل تعاطفوا أيضا معه. محمد سعد وقد وجد دورا يمكنه أن يظهر مواهبه في التمثيل بأسلوب التقمص وبشكل جاد بعيدا عن كوميديا الفارس، أو مبالغات الأداء الهزلية. كسبنا مؤلفا للأفلام قدم لنا مسلسلات ناجحة ومختلفة، مع دهشة والخواجة عبد القادر بشكل خاص، وعاد شريف عرفة مع "الكنز" بعد "الجزيرة" بجزأيه، مخرجا محترفا يتوجه إلى الجمهور العريض، يهدف إلى المتعة دون إسفاف، بارعا في تسكين ممثليه كل في دور يليق به. "الكنز" فيلم غني بممثلين ، كل بطل في موقعه، موفق في عناصره الفنية التصوير والمونتاج، خانه التوفيق في أغلب الديكورات وفي الماكياج، شريط الصوت فقير رفعته الموسيقى والأغاني وعوضت نقص باقي عناصر الصوت الحي الذي يضفي حسا زمنيا يخدم اندماج المشاهد، حواره العامي المعاصر غير المدروس بما يتوافق مع كل فترة حقق تجاوبا للمشاهدين فلم يشعروا بالغربة مع أزمنة الفيلم المختلفة. هل نحن بحاجة إلى جزء ثان؟ لمن تهمه الحواديت ومصائر الشخصيات والحكمة النهائية، فجزء ثان حتمي ومهم. لمن يتابع مواقف ويندمج مع مشاعر لشخصيات العمل دون اهتمام بالحدوتة مثلي سيكتفي بالجزء الذي شاهدناه .  

                                                                                           بقلم: صفاء الليثى
نشر مباشرة على مدونتي الخاصة بعد مشاهدة أولى للفيلم ويستحق مقالا أعمق بعد مشاهدة ثانية 
5 سبتمبر 2017


  

2 comments:


  1. ماشاء الله عليك
    دائما تتحفينا بمواضيع مميزة يا أستاذة صفاء
    مع تمنياتى لكم بالتوفيق و المزيد من النجاح

    ReplyDelete
  2. متابعتك تسعدني ا.علي ، لك كل التوفيق في نشاطكم بالاسكندرية . انتم سباقون بالتميز.

    ReplyDelete