Saturday, 24 June 2017

عن مهرجان الإسماعيلية 19




السينما كُناسة ومحبيها مذلون مهانون

كنت راهنت على مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة الذي انتهت دورته التاسعة عشر في 23 ابريل 2017 وكان مقررا أن ينتهي 25 الذي يصادف ما يسميه النظام " عيد تحرير سيناء " ولأسباب أمنية تقرر الاحتفال بالعيد في الإسماعيلية ولم يتم إبلاغ القائمين على المهرجان بالمركز القومي للسينما وبوزارة الثقافة بهذا التغيير إلا حال وصولهم لبدء فعاليات الدورة. وقع رئيس المهرجان الناقد عصام زكريا وفريقه المعاون في مشكلة كبيرة في محاولة لضغط البرنامج لتعويض اليومين المقتطعين، يومان من ستة أيام، الثلث أمر يصعب تعويضه، وقد يكون هذا السبب الرئيس الذي أثر على مستوى الدورة وجعل العائدون من حضور فعالياتها يقررون بأنها الدورة الأسوأ على مدى تاريخ المهرجان. لأسباب خاصة لم أحضرها وكنت تابعت المهرجان منذ دورته الخامسة عام 2000 ، وارتبطت به كأهم مهرجان يجري على أرض مصر ورشحته ليكون مؤتمرا سينمائيا وليس مجرد تظاهرة عابرة تمر والسلام. هل كان ضغط الدورة واختصار يومين وحده السبب في ضعفها؟ أتصور أن هناك أسبابا أخرى وعلى رأسها الاعتماد على موظفي المركز كفريق معاون بشكل أساس، إذ يبقى الموظف الدائم فاقدا للحماس والرغبة في الإجادة ما دام سيحصل على راتبه في جميع الأحوال، وما دام رئيسه سيعمل على ترضيته حتى لا ينظم احتجاجا أو وقفة أصبح النظام مرتعشا تجاهها بعد ثورة 26 يناير التي كان من أحد نتائجها تجرأ العاملين للمطالبة بما يعتبرونه حقهم، ومقابلة هذه المطالب بدرجة من التوجس دون التحقق من مدى أحقية المطالبين بها. اصطدم المدير الفني السابق الناقد محمد عاطف لدورة المهرجان 18 بالموظفين، ونظرا لحداثة سنة وانحياز رئيس المركز وقتها لموظفيه فلم يتم التجديد له بل وألقيت عليه مسئولية أية إخفاقات حدثت.
شاركت لجنة اختيار الفيلم القصير بدورة 19 مع كوكبة من نقاد لهم سمعتهم الطيبة والمخرج أمير رمسيس . كنا واثقين من قوة الأفلام آملين أن يستمتع الحضور بفنها الراقي وأن ينخرطوا في المناقشات مع صناعها . فما الذي حدث لكي تبتعد التوقعات وتتوه عناصر المهرجان من الأفلام المختارة بعناية من خبراء – ليسوا موظفين كسالى- لماذا تعثرت العروض وألغيت ندوات، وتغيرت جداول ولماذا لم يصرح رئيس المهرجان للمشاركين منذ الللحظة الأولى بقرار حذف يومين من الدورة ليكونوا معه في مواجهة تسلط سلطات تنظر إلى السينما بأنها زائدة عن الحاجة يجب كنسها، نعم هذا ما قيل تماما من أحد المسئولين ( عاوزك تكنسلي الناس دى قبل الأحد الصبح مش عاوز حد منهم يكون موجود في الإسماعيلية كلها) تم كنس صناع الأفلام ونقادها والصحفيين المتابعية الذين حضروا لتغطية أخبار المهرجان وفعالياته وتم استقبال ( شباب تحيا مصر) المؤيدين للرئيس السيسي لاستكمال صورة زائفة عن دور الشباب في الحكم وعن تأييد هؤلاء الشباب المنتقين في مساندة الحكم. 
مقدمة أكتبها مضطرة قبل تناول الأفلام المشاركة والتي تميزت في فرعي الفيلم القصير والتحريك دون الفيلم التسجيلي محور المهرجان الرئيس وعموده الفقري إلا فيما ندر .
أفلام التحريك وتشكيلات جمالية
متعة مهرجان الإسماعيلية التي تميزه تضمن مسابقاته على مسابقة لأفلام التحريك بكل أنواعها سواء باستخدام مادة الصلصال أو رسوم الكارتون بالبعدين أو بالأبعاد الثلاثة ، قيمة تشكيلية بديعة أحيانا تغلب الموضوعات فتكون خفيفة لطيفة صالحة للأطفال، أو تكون مركبة عميقة المعاني فتصلح لكل الأعمار، منها الفيلم الألباني " إثنوفوبيا" أو جنون الأعراق لجأ فيه الفنان إلى التعبير ببساطة عن كل عرق بلون مختلف، وبينها الوحش الذي ترتشق بظهره السهام المعبرة عن كل نوع. عمق المعنى وآنية الإحساس به وسط ما يموج العالم من موجات كراهية تجعل من الفيلم قطعة فنية تجمع بين جمال الشكل والمضمون. خلافا لفيلم فضاء خالي من أستونيا المتميز بقيمته التشكيلية ومتعته البصرية غلبت موضوعه الإنساني عن الفتاة التي تفتقد أبيها. لم يبتعد اللبناني عن هموه المعاصرة في فيلم " صمت" حيث الموت بالمرصاد في مجتمع يسير نحو الهاوية، المخرج شادي عون فنان متعدد المشارب دمج في فيلمه بين الرقص الذي يعشقه وبين السرد القصصي مستخدما الرسوم المتحركة للتعبير بشكل تجريدي. حصل على تنويه خاص من لجنة التحكيم. حصل الفيلم الكوري " غرفة أبي " جائزة أفضل فيلم تحريك استخدمت فيه الفنانة  جانج ناري  أسلوب الحفر والرسم بالقلم الرصاص بطريقة خلاقة لصياغة موضوعها المركب عن علاقة فتاة بأبيها، اللعب بالأحجام القريبة جدا والبعيدة، والحجرات المغلقة في تكثيف لثمان دقائق فقط استحقت عنه الجائزة بجدارة. ها هو فن التحريك يتجاوز دوره فلا يكون فقط لإمتاع الأطفال بل للتعبير بقوة عبر دراما نفسية مؤثرة على الكبار . هذا التميز في فن التحريك لكوريا الجنوبية جعل الناقد عصام زكريا يدعو هم لتقديم برنامج خاص ضم عشرة أفلام كورية منها " غرفة أبي " ومحاضرات عن فن التحريك قد تساعد على تجاوز ما وصفه المخرج اللبناني بتأخر مصر في هذا المجال وذلك في الندوة التي أعقبت عرض فيلمه .
الأفلام القصيرة وعمق التناول 
من بين ثمانية عشر فيلما بالمسابقة حصل الفيلم المغربي " خلف الجدار" على تنويه خاص وأتصر أن الفيلم يستحق ما هم أفضل فقد نجحت المخرجة كريمة زبير في التعبير بشكل أقرب لفيلم وثائثي عن ظاهرة تسود كل بلداننا العربية من اهتمام زائف بالمسئولين وإخفاء حقائق الشعوب خلف جدار يحجب عنهم رؤية المناطق العشوائية حيث يسكن الفقراء الكادحون. رحلة طويلة تقطعها طفلة مع والدها لتصل إلى مدرستها بسبب هذا الجدار. جدار العار للأنظمة العربية . الفيلم الآخر الذي حصد تنويه أيضا فيلم " مستورد" تناولت فيه مخرجته جانبا من مشاكل العائلات المهجرة إلى هولندا، عبر تتبعها لمعاناة عائلة بوسنية حصلت على اللجوء. التعصب متغلل حتى في نفوس الأطفال الذين نجحت المخرجة في قيادتهم ليبدو الفيلم حقيقيا دافئا.
دراما نفسية قدمها المخرج تاراس درون من أوكرانيا مع طفل متعلق بسيارة والده الغائب استحق عنه جائزة لجنة التحكيم ، بينما حصل الفيلم الفرنسي " شاس رويال " على جائزة أفضل فيلم نجحت مخرجتيه ليز أكزكا ورومان جيريه في التعبير عن معاناة فتاة مراهقة تعيش حياة صعبة مع مجموعة من الأخوة وتكون تجربة الأداء التمثيلي متنفسا لها للخروج من حياتها المضجرة. الملاحظة الجديرة بالتوقف عندها تميز أفلام المخرجات ونجاحهن في التعبير بعمق عن كوامن نفوس فئات ضعيفة ، الفتاة في فيلم التحريك الكوري وهنا في الفيلم الروائي القصير الفرنسي،  وهو نفس ما نجحت فيه اللبنانية إليان الراهب متتبعة حياة مزارع مسيحي مستقر في منطقة عكار القريبة من سوريا، عبر أكثر من ساعة ونصف قدمت شخصية القوية المقاومة لكل الظروف الصعبة ، حصلت عنه على جائزة لجنة التحكيم من اللجنة التي وضح انحيازها لكل ما يعبر عن هموم الناس بطريقة خلاقة. بالطبع سيطرت داعش على اهتمام المخرجين فقدم المخرج ريبر دوسكي المولود بكردستان عام 1975 ، والدارس بهولندا فيلمه " راديو كوباني" الذي حصد الجائزة الكبرى بالمهرجان وأيضا جائزة لجنة جمعية نقاد السينما المصريين_ إفكا- عضو الفيبريسي . شخصية الفيلم مراسلة كردية شابة لم تتخط العشرين عاما أسست محطة إذاعية وسط الأنقاض. التقاط الشخصية وتقديمها في الفيلم بشكل حميم هو ما ميز الفيلم عن باقي مجموعة المسابقة الرسمية ومنها فيلم " وحيدا برفقة طالبان" رغم طرافة عنوانه وجاذبيته.
يبقى مهرجان الإسماعيلية رغم كل الظروف المهرجان المتفرد بين عقد المهرجانات المصرية، وعليه أن يتجاوز محنته بالانفصال تماما عن المركز القومي للسينما بجهازه الإداري ولا يكتفي بأن رئيسه لم يعد هو نفسه رئيس المركز القومي للسينما، بل ننتظر أن ينجح الناقد عصام زكريا في جعله مؤسسة مستقلة تمارس عملها دون ضغوط ممن يعتقدون بأن السينما كُناسة الدكان .
صفاء الليثي
مونتيرة وناقدة مصرية
القاهرة مايو 2017
نشر بمجلة شاشات التونسية  



No comments:

Post a Comment