Wednesday 26 April 2017

نظرة على الفيلم القصير بمهرجان الإسماعيلية 19

اخترت الكتابة عن ثلاثة أفلام عرضت بمهرجان الإسماعيلية 19من بين 18 فيلما   بمسابقة الفيلم القصير، لم تحصل على جوائز ولكنها أفلام جيدة ومهمة.
 نماذج ناجحة في التكثيف 
والتعبير الموجز
من كردستان إيران فيلم يخلو من كلمة واحدة " الرجل الذي ينسى أن يتنفس"، يعبر فيه مخرجه عن حالة من عدم التكيف تصيب رجلا فينسى أن يتنفس في مدينة يتنفس فيها الجميع من وراء كمامة، نراه نائما يعاني من أزمة تنفس، تحضر زوجته وتجمع بعض أشياء تخص طفلتهما المنتظرة بالسيارة، تنسى لعبتها يهرع الأب ليعطيها اللعبة، يجرى دون كمامة، يسير بين الجموع دون كمامة وحين تنتابه أزمات التنفس يعود طبيبا ثم نجده سائرا بكمامة مثل الجميع، زوجته والطفلة نائمتان فى المنزل كمامات ثلاث مخلوعة، والسمكة التى تكسر الحوض الزجاجي وتوشك على الموت فينقذها وينقلها فى  كوب صغير. السمكة الذهبية تسبح، الأسرة نائمة والكمامات في منظر قريب. قرأت الفيلم المحمل بالدلالات كتعبير رمزي عن القمع وضرورة الانصياع لعادات الجميع من السير خارجا بأقنعة الأكسجين. المخرج الإيراني سامان حسينبور وهو نفسه المؤلف نجح في إيصال فكرته دون كلمة واحدة.
بالطبع لن تتم دعوته إلى المهرجان فالأمن القومي المصري لا يدعو الإيرانيين لمصر ولا يتم منحهم تأشيرة دخول، على الأقل يمكننا متابعة إبداعاتهم المتواصلة في فروع الفيلم المختلفة في انتظار تغير الظروف السياسية ليكتمل التفاعل.
" فالباريزو " الإيطالي يبدأ من السجن ومسئولة تستجوب نزيلة عن تقرير مستشفى السجن بكونها حامل في الشهر الرابع، السيدة ترفض أن تدلي بأي معلومة ويتم إطلاق سراحها، تعيش في غرفة وحيدة ثم تضع مولودها دون مساعدة، تأخذ الطفل وتتركه في نافذة مركز إيواء يشاهدها ممرض، هي أمام كومبيوتر تتواصل مع أمها وأخيها نشاهدها فقط ونعرف أنها حصلت على عمل، تعو لمركز الإيواء تطلب أن ترى طفلها القوانين لا تسمح لمرور شهر، بمساعدة الممرض يسمح لها برؤيته تحمله، تخطفه وتجري، يلاحقها الأمن
تعبير موجز وموجع، بلاغة سينمائية تحكي الكثير بتركيز شديد، معاناة حمل غير مرغوب فيه، بطالة ثم كفاح وعمل، غريزة الأمومة واحتياج أم في مجتمع تحكمه قوانين صارمة، مجتمع لا يرحم. الممثلة تؤدي دورها جيدا والسرد لا يدخل بنا في قضايا فرعية، نموذج جيد جدا لكيفية صنع فيلم قصير ممتاز شكلا وموضوعا. ويمكن التعامل مع كفيلم مثالي للتعبير عن أزمات تخص المرأة وحدها.
الفيلم الثالث المصري " خليل " مشروع تخرج إسلام شامل من معهد السينما يتناول فيه قضية التقاعد ومأساة المعاش لرجل يعيش مع زوجته وحيدان، يبدو الرجل في حالة تسيطر عليه الوساوس والشكوك بينما الزوجة نشطة وفي حالة تكيف رائعة ،الفيلم مأخوذ عن قصة قصيرة للكاتب ابراهيم أصلان، المحظوظ بين الكتاب بالمستوى الذي تبدو عليها الأفلام المأخوذ عن قصصه وأهمها كيت كات داوود عبد السيد. وأتوقع حصوله على جائزة من لجنة التحكيم التي يكون لديها عمل شاق لتنوع الأفلام بين التسجيلي والروائي القصير وأفلام التحريك التي تحتاج خبرة خاصة للحكم على هذا النوع النادر الفريد في فنيته.   
تناولت ثلاثة نماذج مختلفة لفيلم قصير يستخدم فيه الحوار بإيجاز شديد، يعتمد على النجاح في رسم الشخصيات وبيان دوافع تصرفاتها، الاقتراب منها وكشف مكنونها نفسيا، رجلا ينسى أن يتنفس، امرأة لا تريد التخلي عن طفل أنجبته في ظروف غير ملائمة، ورجل غير قادر على التكيف مع حياته بعد المعاش.
من بين ثمانية عشر فيلما في المسابقة الرسمية للفيلم القصير وعشرة غيرها في البانوراما تتنوع الأساليب الفنية، تتنوع جهات إنتاجها وتختلف فيما بينها، بين الكوميدي الساخر كالفيلم التونسي علوش، وفيلم النقد الاجتماعي المغربي خلف الجدار، نموذجان رائعان للمشاركة العربية بالمهرجان، إنتاجات مشتركة بين كثير من الدول يجمعها فقط النجاح في التعبير المكثف عن فكرة، وعن أزمة يمر بها إنسان ما.  
يواصل الإسماعيلية انتقاء أفضل الأفلام عاما بعد عام،مع الوقت نجح في تربية كوادره من بين العاملين بالمركز القومي للسينما، فتيات وشباب وقد خلعوا قناع الوظيفة الخامل، وأخرجوا طاقات تكتسب خبرة تتراكم ليواصل دوره كمهرجان فريد في نوعية أفلام فنية جدا تغطى اهتمامات البشر من كل أنحاء الدنيا. 
صفاء الليثي
نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 25 ابريل 2017 رئيس التحرير عماد الغزالي  




No comments:

Post a Comment