Tuesday 7 April 2020

توثيق نضال الفلسطينيات في " إحكى يا عصفورة"

                  حين يكون الوطن هو شرف الفتاة
ليلى خالد  
بعد هزيمة 67 قام الفسطينيون بعمليات تندرج تحت حق الشعوب في مقاومة المحتل ، عمليات كفاح مسلح شاركت به مجموعة فتيات نجحن في الهدف الذي تحدثت عنه إحداهن بأنه تعريف العالم بالقضية الفلسطينية . المخرجة عرب لطفي صورت معهن في عمان عام 1993 بادئة مع ليلى خالد ( من مواليد مدينة حيفا، شاركت في عمليتي خطف طائرة أمريكية عام 1969 وطائرة العال عام 1970)  عقدت لقاء معها وهي في بيتها بعمان مع زوج وأطفال، بدت كامرأة عربية خمسينية تعنى ببيتها بذوقه الرفيع ، ربة بيت عادية تحكي والمخرجة توجه أسئلتها نسمع صوتها دون أن تظهر بالصورة . بالمثل ستجرى لقاءات مع الأخريات، يحكين أثناء التصوير بعد مرور خمسة وعشرين عاما تقريبا، وهن سبع نساء فدائيات فلسطينيات من جيل السبعينات تحكين الحكاية الفلسطينية من الاحتلال إلى المقاومة من خلال تجربة حياته. الثورية كمناضلات فلسطينيات   وهن ليلى خالد ووداد قمري ورسمية عودة وتيريز هلسا ورشيدة عبيدة وأمينة دحبور وعائشة عودة ،  بعضهن نفذن عمليات ثورية مسلحة ضد أهداف اسرائيلية وتم اعتقالهن والبعض الآخر قام بخطف طائرات اسرائيلية وغربية.
بعد تقديم قصير لكل منهن ومعلومات مكتوبة على صورهن القديمة، مع تيمة موسيقية متكررة. في مدخل تعريفي يكشف عن منهج يوثق لمجموعة المناضلات التي تمكنت المخرجة من لقائهن. وفي المشهد الأخير من الفيلم تتجمعن في منزل ليلى خالد مع شاي وكعك كصديقات قدامى في لقاء اجتماعي.
تيريز هلسا
في مثل هذا النوع من الأفلام المعتمد على بوح الشخصيات يتأثر المشاهد ببعض النماذج دون الأخرى، حيث تختلف كل شخصية عن الأخرى في القدرة على الحديث ، فيكون خافتا مع ليلى خالد وكأنها تحادث نفسها ، أو حماسيا كحديث أمينة دحبور أو حميميا عندما تحكي تيريز هلسا التي رحلت عن الحياة هذا الأسبوع.
تبرز أهمية الفيلم التسجيلي ويتأكد دوره التاريخي عندما نسمع ونشاهد المعلومة من المصدر الأصلي وهن هنا صانعات الحدث كما تعبر بجلاء أمينة دحبور صاحبة العينين اللتان تشعان فخرا وذكاء.
اعتمدت المخرجة في عملها على الحكي المباشر لهن كما وفرت بعض الوثائق ، بعضها معبر عن الحالة بغير ارتباط مباشر بالعمليات التي قمن بها وأشهرها خطف طائرة العال عام 1969.
أمينة دحبور 
عبد الناصر كان حاضرا بخطاب النكسة الحزين وصوته منكسرا، سيرته بينهن ومشهد وضع الزهور على قبره بعد وفاته من مناضلتين تظهران في العمل كنجمتين سينمائييتين ، ليلى خالد بنظارة سوداء وشعر قصير ترتدي جاكيت وبنطلون، وأمينة بتايير أنيق على طريقة الستينيات وبينهما اكليل زهور ضخم. نهاية لفيلم يربط النضال الفلسطيني بزعيم قومي يقدره من آمن بحق شعبه في تقرير مصيره ونيل حريته.
المناضلة تيريز هلسا من مواليد عكا شاركت في خطف طائرة سابينا البلجيكية عام 1972 ، بدأت حديثها مع المخرجة برواية المحاكمة ورفضها وصمها بالمذنبة ، مؤكدة للقاضي أنها متهمة وليست مذنبة. تفاصيل الاختطاف وتبادل النار وما تعتبره فشلا للعملية نتيجة تمديد المهلة كقرار سياسي راح بسببه مناضلين وأصيبت هي وزميل وحكم عليها بالسجن 210 سنة، تضحك تريز ، حكم مضحك، وتؤكد أنها عاشت في السجن بالأمل الذي لا يمكن الحياة بدونه. تريز تحكي بثقة عن تجربة لا شك كانت استثنائية لفتاة عمرها وقتها كان فقط سبعة عشر عاما، غضبها المشروع من تفضيل اليهودي عنها حتى في اللعب بمرجيحة الحي.دافعا قويا للمشاركة وتحمل السجن والتعذيب.
المناضلة رشيدة عبيدة من مواليد القدس شاركت في عملية تفجير السوبر سول في القدس الغربية عام 1968 تحكي عن يارة أمها وأختها الكبيرة لها في السجن التي بادرتها بسؤال، صحيح أخدوا شرفك؟ وردت على الفور شرفي هو وطني ، وأنا لا يمكن أتنازل عنه، تفهمت الأخت ولم تعد لسؤال كهذا مرة أخرى.
المناضلة وداد قمري من مواليد القدس شاركت في تنظيم العمل الفدائي السري ولم تعتقل في السجون الإسرائيلية، نجحت في الهرب وأخذوا أخيها بدلا منها .
المناضلة أمينة دحبور من مواليد كفر عانا بغزة، أمها مصرية، شاركت مع ليلى خالد عملية خطف طائرة العال تحكي عن تلقيها خبر هزيمة 67 وكيف حرقت دموعها خديها ومن يومها حرمت أن تبكي ، وقررت مع رفيق الحياة والعمل النضالي بألا يتفرجوا على الأحداث بل أن يشاركوا في صنع الحدث. سبق حديث أمينة جزء من خطاب عبد الناصر وقبله كانت ليلى خالد تحكي، هكذا يبنى الفيلم على تسليم طرف حكاية إلى حكاية من وجهة نظر أخرى ليظهر الجميع وقد توحدتهم الرغبة في التحرر بالكفاح والتضحية من أجل الوطن.
أهمية أن نشاهد الفيلم الوثيقة لتتعرف أجيال على نضال قمات به نساء، وهن في عمر الزهور لتتغير صورة مجاهدي الأمس القريب من ذكور يريقون دماء الأبرياء في مقابل هاته الفتيات وهن يقمن بعملياتهن دون إراقة دماء، فقط للتعريف بقضية فلسطين الوطنية وتنبيه العالم لما يحدث لشعبها المحتل.
عرب لطفي وبحث الملفات
اتبعت المخرجة المنهج البحثي بالاستماع لقصص المناضلات السبع كل في موقع حياتها منفردة، اطلعت معهن على وثائق ظهرت مجلدة بشكل جيد صورت عرب جانبا منها وظهر في الفيلم . عملية خطف ليلى خالد مع شباب المقاومة كما تابعتها الصحف وقتها، وصور تدريبات الفتيات وقد وضعن غطاء أسود فوق العينين لإخفاء شخصياتهن الحقيقية، بالإضافة إلى مشاهد لمخيمات الفلسطينيين قي الشتات الأول، مشاهد من الأرشيف وتركيز المخرجة على أطفال لاهون يلعبون ببراءة دون وجود ألعاب تناسب أطفال العالم .
وكما كان عبد الناصر ووجوده رمزا للتحرر والكرامة الوطنية ، ورغم الهزيمة فإنه كان حاضرا في حكي المناضلات واختارت المخرجة النهاية مع ليلى خالد تحكي عن تواجدها بمصر هي وأمينة دحبور ووضع الزهور على ضريح عبد الناصر ، وقد وصلنا الإحساس عن معنى النضال الحقيقي النابع من إيمان الشخص بمعنى الوطن له ، لم تركز المخرجة على أي مسؤول حكومي أو سلطوي، ولم تدخل في تفاصيل تشرح أسماء التنظيمات واختلافاتها السياسية بل ركزت فكرتها على نضال النساء من أجل التحرر. نضال مختلف عما يسمونه جهادا يستخدم القتل ويكون له ضحايا من المدنيين.
فيلم " احكي يا عصفورة" غني بالتفاصيل بلغت مادة التصوير فيه خمس وثلاثين ساعة 35 ساعة صورت مع عدد من نساء كانوا بالمعنى التاريخي لا الأدبي طلائع الكفاح المسلح الفلسطيني وهن قد  أسسن بفعلهن بداية المشاركة النسائية في كفاح الشعب الفلسطيني المسلح.   
الفيلم  في 90 ق ، إنتاج خاص قامت بعمل المونتاج له أمل رمسيس ، وهي حاليا مخرجة تسجيلية تركز في أفلامها على كفاح النساء وكفاح المواطنين عامة في نماذج اختارتها بإحساس ذاتي بأهميتها.
شاب عملها وكانت مازالت متدربة  في " احكي يا عصفورة"  بعض القصور في بناء الفيلم بمشاركة من المخرجة بالطبع،  وخاصة فيما يتعلق بوحدة مشهدية بعنوان " برقوق نيسان" لغسان كنفاني كمشهد أجده خارج السياق فنيا وموضوعيا، اعتمد على تعليق من خارج الصورة على مناظر عامة، كان المشهد يقطع تدفق حكي المناضلات وحكاياتهن الشيقة وخاصة عندما انتقلنا إلى ليلى خالد وهي تشرح بتعليقها المباشر على وثيقة مصورة عن عملية خطف الطائرة وكيف سألها ابنها الطفل " صحيح انت حرامية يا ماما" قبل أن تشرح له كيف كان خطف الطائرات لمقاومة العدو الاسرائيلي. تقدم عرب لطفي وثائق من صحف تشرح العملية وتدعم ما تخبرنا عنه المناضلة بجلاء.
المخرجة عرب لطفي لبنانية من صيدا، درست السينما بمصر وتخرجت عام 1976 ، شاركت الحركة السينمائية في مصر صناعة وثقافة ، ارتبطت بالنضال الفلسطيني وعبرت عنه في أغلب أعمالها بالإضافة لعدد من أفلام تسجيلية وثقت لمظاهر الحياة المصرية ومنها عملها التسجيلي الهام الفرح مصري.
                                                                                                                      صفاء الليثي
نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 7 أبريل 2020 رئيس التحرير عماد الغزالي





No comments:

Post a Comment