Saturday 18 March 2017

بورتريه .. سمير فريد ربيع دائم وعطاء مستمر




سمير فريد وربيع النقد العربى

يقدم نفسه على أنه صحفى، لإرضاء جده الطبيب الذى يعرف هذه المهنة ولايعرف مهنة الناقد، ركز سمير فريد فقط فى النقد السينمائى، متابعا لمهرجانات السينما الدولية ولكل الإنتاجات المصرية والعربية والعالمية، ظل شغوفا بحضور مجالس المفكرين والسياسيين، رابطا بين الفيلم وبين المناخ السياسى والاجتماعى فى زمنه. يشهد له منافسوه قبل مريدوه بأنه معلم النقد السينمائى وأفضل من كتب نقدا تطبيقيا باللغة العربية. إنه المعلم حين يريد، ناقدا كبيرا، وصحفيا يؤدى دوره دون تعال على مهنة الصحافة، يقدم نفسه بلقب صحفى، واثقا من أن اسمه وحده دون لفظ دكتور كفيل بمنح اللقب احترامه ووقاره.

بمناسبة تكريمه بمهرجان دبى عام 2013 أنتجت له دريم برودكشن فيلما تعريفيا قصيرا فيه يتضح أهم ملمح فى صفات سمير فريد المؤرخ الذى يربط الخاص بالعام فيقيم علاقات لها دلالات تتسع لتشمل ما يخصه وما يخص السينما المصرية أو العربية كما اشتهرت فينطلق فى الحديث بادئا بالفرحة لتزامن تكريمه مع عيد ميلاده السبعين، ثم يتخذ من فيلم المومياء الوعاء الذى يربطه بفن السينما ومخرجيها، ذاكرا أن تكريمه كناقد هو تكريم لمهنة النقد السينمائى . ففى استفتاء أفضل مائة فيلم عربى أقامه مهرجان دبى اختير المومياء ليكون على رأس القائمة، فيختاره مع صوره من ضمن ما يحويه أرشيفه الخاص ليكون العمود الفقرى لفيلم التكريم القصير.
اصطياد اللحظة المناسبة والانطلاق منها بمعلوماته الموسوعية، هو والسينما وأهم مخرجيها الذى يربطه بهم علاقة ندية ، هو الناقد الألمع وهم المبدعون على قدم المساواة يؤكد ذلك خطاب أرسله إليه شادى عبد السلام من لندن حيث عرض فيلمه " يوم أن تحصى السنين" الشهير بالمومياء. خطاب حميم ينفتح فيه فنان السينما شادى عبد السلام ويكتب لصديقه الناقد على سجيته : " كان لازم تكون هنا وتسمع بنفسك، لا يمكن تصدق اللى عملته المومياء، هيعرضوه ويناقشوه فى لندن فيلم سكول كمثل لفيلم متكامل Perfect Work ". وفى الآخر حاشية كده : " أنا فاكر كل الكلام اللى قلته لى والتشجيع والثقة لماكانوا " ولاد الكلب" بيقطعوا فيه". ينتهى قراءة سمير فريد لمقاطع خطاب شادى مع صورة سمير فريد مع العملاق شادى عبد السلام عام 1970.


يصور محمد سمير الناقد سمير فريد فى مكتبه مع أرشيفه ويخرج منه خطاب شادى عبد السلام يقرأ منه فقرات نشاهد الخطاب بخط يد الفنان وأخطائه الإملائية وشخبطاته، وينتهى الفيلم بصورتهما معا بمهرجان كان الذى كرم الناقد أيضا. سمير فريد منح مهنة النقد السينمائى احترامها وتفردها، وأنهى التعميم المهين، تعبير ناقد فنى، يعرف سمير فريد بأنه ناقد سينمائى و مؤرخ السينما المصريه. ولد فى القاهره الأول من ديسمبر سنة 1943. تخرج من قسم النقد فى المعهد العالى للفنون المسرحية عام 1965،صحفى و ناقد سينمائى فى جريدة الجمهورية منذ عام 1964. يلقب بأنه عميد النقاد السينمائيين العرب. له مقال يومى فى المصرى اليوم تحت عنوان ”صوت وصورة“. حصل على جائزة الدولة للتفوق فى الفنون من المجلس الأعلى للثقافة سنة 2002. حصل أيضا على ميدالية مهرجان كان الذهبية بمناسبة الدورة الاخيرة فى القرن العشرين سنة 2000. شارك فى اصدار ثلات مجلات سينمائيه منذ 1969. صدر له 63 كتابا. رأس الدورة 36 لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى التى اعتبرت أفضل الدورات على الإطلاق حتى الآن، قدم وحقق فكرة الاحتفاء بمئويات كبار السينمائيين بإقامة معارض شاملة أقيمت بالتزامن مع مهرجان القاهرة. إنه صاحب الإنجاز الكبير فى وقت يكتفى فيه آخرون بأحاديث هنا وهناك، صاحب مشروع نقدى مساند لتيارات واتجاهات السينمائيين المصريين والعرب ليس فى مجال الفيلم الطويل فقط، بل فى الأفلام التسجيلية والقصيرة، ساند تيار السينما المستقلة وقدم للمواهب دائمة الظهور على الساحة السينمائية. إنه الأغزر إنتاجا والأكثر احترافا لمهنة النقد السينمائى منذ بدايات عمله عام 1964 وحتى اللحظة الراهنة لعام 2017.


فيلم تكريم سمير فريد بمهرجان دبى عام 2013  

-        مع مشاهد لأرشيف بملفات فى مكتبة وتعليق بصوت سمير فريد: بدأت فى تكوين هذا الأرشيف عام 1966، المنطقة العربية أنتجت خمسة آلاف فيلم روائى طويل، وخمسة آلاف فيلم قصير، عشرة آلاف فيلم وليس بها أرشيف – سينماتيك – أحد أحلامى الكبرى أن يكون فى سينماتيك حقيقى، الصوت مستمر مع صور فوتوغرافية نادرة من فيلم "المومياء " .

-        التكريم يأتى بعد ستة أيام من عيد ميلادى المميز – عيد ميلاده السبعين- وأعتقد أنها أجمل هدية قدمت لى بمناسبة أن المومياء أصبح الفيلم الأول فى قائمة دبى لأفضل مائة فيلم غربى، هذا خطاب شادى عبد السلم من مهرجان لندن 1970، هوه كاتبه بالإنجليزى :"Dear Samir I wish you  were here "، ولكنه كاتب فى الآخر بالعربى : " احنا نايمين، يقصد كل حاجة مش بس السينما، كل اللى بنعمله هجص فى هجص، بالمصرى يعنى كلام فارغ ، مفيش سينما عندنا، يعنى هوه حكم قاسى شوية لكن السينما كلها لها طابع تجارى غالب. " كان لازم تكون هنا وتسمع بنفسك، لا يمكن تصدق اللى عملته المومياء، هيعرضوه ويناقشوه فى لندن فيلم سكول كمثل لفيلم متكامل Perfect Work ". وفى الآخر حاشية كده : " أنا فاكر كل الكلام اللى قلته لى والتشجيع والثقة لماكانوا " ولاد الكلب" بيقطعوا فيه" وينتهى الفيلم بقراءة سمير فريد لمقاطع خطاب شادى مع صورة سمير فريد مع العملاق شادى عبد السلام عام 1970.

مؤخرا أقامت جمعية نقاد السينما المصريين عضو اتحاد الصحافة السينمائة (الفيبريسى) لقاء مع سمير فريد لمناقشة آخر كتاب صدر له " سينما الربيع العربى"، فى الندوة قدمه الناقد والمترجم محسن ويفى، ويفى كان عارض سمير فريد فيما ذهب إليه من وصف مجموعة مخرجين ظهروا فى الثمانينيات بمخرجى الواقعية الجديدة وسار وراءه كل النقاد، ورغم ذلك احتفظ سمير فريد مع محسن ويفى بعلاقة صداقة واحترام وهذا ملمح ثان من ملامح شخصية سمير فريد فى أنه لا يتعامل بأسلوب رد الفعل ويتجاوز لاختلافات الرأى بأريحية شديدة واثقا من سداد رأيه ومن انتصار رأيه فى النهاية وقد كان. سواء من عارض حكمه النقدى بظهور تيار الواقعية المصرية الجديدة ، أو بالاحتفاء بالربيع العربى واعتباره أحدث تغييرا ملحوظا على الساحة فطبقا لحديثه فى ندوة الأحد 22 يناير 2017 وقبل الذكرى الساسدة لثورة 25 يناير 2011 قال سمير فريد : " ثورة 25 يناير تشبه ما حدث عام 1968 والبداية من فرنسا ووصلت حتى كاليفورنيا ، عظمتها أنها ثورة لم يقم بها حزب ما ، بل كانت إعلان جيل كامل برغبته فى التغيير ، كذا كان سقوط حائط برلين ، الذين تحركوا عام 1989 تجنبا لحدوث حرب عالمية ثالثة تحركوا بدون حزب، فقط حركتهم إرادة التغيير " . قبلها ذكر بأن كتابه " سينما الربيع العربى " كتبه دفاعا عن يناير فلا يمكن أن يحدث ما هةو أسوأ مما حدث فى الخمسين سنة التى سبقت يناير 2001 . دائما يمزج سمير فريد حديثه عن الأفلام بحديث السياسة، وككل جيله الذى تخرج فى ستينيات عبد الناصر وشهد نهضة ثقافية مختلطة بقمع للحريات يركز فى كتاباته النقدية على مضمون الأعمال محللا إياها فى سياقها التاريخى. ولأنه مؤمن بالتغيير حتى لو كان من أجل التغيير نجده مستمرا فى مساندة كل التيارات السينمائية التى بدأها بمساندة مومياء شادى عبد السلام والتنظير ولفت الأنظار بل وتوجيه النقد بشكل عام للاحتفاء بمخرجى الثمانينيات خيرى وداود والطيب وبدرخان، مرورا بالاحتفاء بمخرجى التسعينيات أسامة فوزى مجدى أحمد على ورضوان الكاشف وبعدهم هالة خاليل وهالة لطفى مستمرا مع ابداعات أقل حجما ، أو لنقل أعمال مفردة لسينمائيين فرادى كما كريم حنفى وحمسه الشديد لفيلمه الخاص "باب الوداع"، أو تامر السعيد وفيلمه " آخر أيام المدينة".  


نخلص إلى ملامح شخصية سمير فريد :

-        الناقد الذى منح مهنة النقد السينمائى احترامها وتخصصها.

-        الناقد الذى يتعامل بندية مع كبار المبدعين وليس تابعا لهم.

-        الناقد المؤرخ الذى يحترم الأرشيف ويجعل فكرة إنشاء سينماتيك سينمائى عربى حلمه الأكبر.

-        الناقد صاحب الرؤى المتجددة دون خجل من الاعتراف بخطأ فى حكم سابق له.

-        الناقد المتابع لكل كلمة تكتب عن السينما والمجمع لها، القادر على الحكم على الجميع وتقديرهم وتشجيعهم مهما اختلفوا معه.

-        الناقد الطموح ليقدم أفضل تنظيم لمهرجان، أفضل مسيرة نقدية مواكبة للإبداع.

-        الناقد الإنسان المقاوم لمرضه الجسمانى ولضعف همته، فتجده مستمرا فى التزامه بالكتابة حتى لو تراوحت بين نقد متخصص لفيلم أو ظاهرة سينمائية أو ترويج بنقل أخبار حدث سينمائى ما.  


سمير فريد الذى يعطى المهنة كل وقته أجده وخاصة مع كتابه عن الواقعية المصرية الجديدة أدخل النقد السينمائى فى ربيع دائم متغير. يستحق عن جدارة لقب عميد النقاد العرب. متعه الله بالصحة والعافية ومنحه القوة لمقاومة مرضه اللعين الذى يقاومه بكل بسالة تتفق مع صلابته ورفضه لتعبير موت الأدب، أو موت النقد، ولكن مع التسليم بالتغيير ، النقد فى رأيه لقاء بين ثلاثة حريات حرية المبدع وحرية الاقد وحرية المتلقى، أحاول ألا أكتب وأنا منبهر، لأن الكتابة لابد ألا تتم بعد انفعال.

هكذا كانت كلمته النهائية وأجدها مخالفة لحقيقة أنه الكاتب المنحاز صاحب المواقف والتى يعلنها فور الإحساس بها، فى نهاية ندوته مع محبيه من النقاد قال إنه ذاهب إلى برلين يوم 31 يناير 2017 وسيعلن خبر جيد. كان قد طمأننا على تلقيه العلاج وعلى استجابة جسده ونجاحه فى مقاومة المرض ليقدم لنا مثالا على شخصية استثنائية فى العمل والحياة. سمير فريد ربيع دائم وعطاء مستمر.

صفاء الليثى

القاهرة يناير 2017 
هوامش وملف مرفق


فيلم تكريم الناقد سمير فريد في مهرجان دبي ٢٠١٣


-        صور من الفيلم الذى أخرجه المونتير والمنتج محمد سمير الذى عمل معه مديرا فنيا لدورة مهرجان القاهرة السينمائى الدولى 36 عام 2014 .
-        صور من أرشيف الباحثة منى غويبة والزوجة المحبة 
نشر المقال بالعدد التاسع من مجلة الجيزويت بإشراف الأب وليم سيدهم 
رئيس التحرير سامج سامي/ رئيس التحرير التنفيذي حسن شعرواي 






No comments:

Post a Comment