Thursday 1 December 2016

فى تأبين محمود عبد العزيز

علمنا كيف نغرف من الحياة

بالصدفة شاهدت فيلما من أفلام محمود عبد العزيز الأولى، شابا أشقر بوجه مكتنز وعيون ملونة ولكن يا لسخرية القدر، الشاب مقعد على كرسى متحرك تقتله الغيرة على زوجته الجميلة نجوى ابراهيم، من شاب وسيم آخر هو عمر خورشيد ، تملكتنى الدهشة لاختيار المخرج أن يحبس هذا الجمال ويصوره فى أغلب مشاهده عاجزا على كرسيه المتحرك. النجومية ظلت لفترة لا تأتى إلا لمن يحملون ملامح وسامة ويكون مجرد ظهورهم بالفعل مهندمين مؤدبين عامل نجاحهم مع الجمهور ويثبت مكانته على كرسى النجومية . النجم يكفيه فقط التحدث بوله والتحرك بحساب ليكون معشوق البطلة ومعها مراهقات الفترة. ويبدو أن الحس النقدى لدى كان فطريا يحكم ذوقى فى الأفلام وأبطالها فكنت ومعى عدد لا بأس به من الصديقات نقسو فى الحكم على هؤلاء النجوم المتمتعون بالوسامة ونفضل عددا من الخناشير من الرجال غالبا يؤدون الدور الثانى أو السنيد ونتعالى على النجوم وفى قرارة أنفسنا حكم ثابت " ده ما بيعرفش يمثل، فاكر نفسه حلو قوى"، أحببت فى مراهقتى صلاح قابيل وصلاح السعدنى وعادل إمام، أما حسين فهمى ومحمود عبد العزيز " ياه على تقل الدم " تخلصت من مراهقتى ومن العجيب أن محمود عبد العزيز نفسه قد كره هذه الصورة عن الشاب الوسيم المعشوق من النظرة الأولى وأسعده الحظ وأسعدنا حين فقد مع الزمن قدرا من وسامته فزاد وزنه واكتسب كرشا كأغلب المصريين الذين يضعون قلوبهم فى معدتهم وسقط بعض شعر رأسه، عاد محمود عبد العزيز إلى قاعدة انطلق منها ليكون ممثلا تناسبه أدوار متنوعة صعلوكا عديم الأخلاق فى صعاليك داوود عبد السيد، أو أحد السعاة ، عامل ثائر فى أبو كرتونة ، قبطانا يعتقد فى نفسه الحكمة فى قبطان المخرج سيد سعيد ، سائق نقل عقله عقل طفل فى ثلاثة على الطريق لمحمد كامل القليوبى. لم يكن محمود عبد العزيز صديقا شخصيا لهؤلاء المخرجين – مثلما كان نور الشريف- ولا يحضر مجالسهم ولا يرتاد تجمعاتهم . هو أقرب أن يكون ذلك المحترف الذى يأتيه الدور فيجد نفسه فيه أو يرفضه بلا تردد.
أودعنا خزائنه ورحل
يتقمص أحمد زكى الدور حتى ننساه تماما، هو البيه البواب، أو الملاكم الشعبى فى كابوريا، أو ضابط الأمن القومى فى " زوجة رجل مهم " ولكن محمود عبد العزيز مختلف ، فالقبطان هو محمود عبد العزيز، والزوج المطحون هو محمود عبد العزيز، والعميل المزدوج هو محمود عبد العزيز ، لا يدخل فى الدور ويتقمصه كما أحمد زكى، ولكن الدور هو الذى يتلبسه ويصبح الممثل  قرين الدور وعفريته . ينصت محمود عبد العزيز جيدا لشرح المخرج، هل يفهم ما يقال حرفيا، لا بل يفهم المعنى العام ويلتقط الفكرة ، الشيخ حسنى طبعة محمود عبد العزيز، الأعمى المتحدى لعجزه والساخر منه حتى يتجاوزه.
طالما فاجأنا محمود عبد العزيز بأدوار كنا نشك فى قدرته على أدائها، كعربجى" الجوع" مع على بدرخان، " الساحر" الأب المدهش مع رضوان الكاشف، وسلسلة أفلامه مع على عبد الخالق بعد دوره فى "العار".
غرف محمود عبد العزيز من الحياة حتى شبع، ولما شعر بالامتلاء غادرنا وقد سلمنا صندوقا من جواهر الأعمال فى السينما والتلفزيون، ستبقيه خالدا حيا فى ذاكرتنا باعثة فينا بهجة الحياة .
بقلم: صفاء الليثى
نشرت بمجلة الإذاعة والتلفزيون 19 نوفمبر 2016    شكرا للزميل عرفة محمود


   

No comments:

Post a Comment