Monday 20 June 2011

سينمائيون فى الثورة


سينمائيون فى الثورة
" 18 يوما "

يقال دائما أن الهجوم خير وسيلة للدفاع، بمعنى من المعانى كان الهجوم المبكر على تجربة فيلم " 18 يوما " دافعا لى لتبنى الدفاع عن الفكرة مبكرا أيضا بداية من رفضى التوقيع على بيان أصدره عدد من السينمائيين لم يشاركوا فى التجربة يرفضون أن يمثل مصر فنانون قيل إنهم هاجموا الثورة والثوار وساندوا أركان النظام السابق ، رفضت التوقيع واعتبرت الأمر أشبه بحرب "ولاد الكار" على طريقة فيها لأخفيها. البداية كانت رفضى إدانة زملاء فى المهنة على مواقفهم، والنهاية كانت بقرار أن ألتقى بمن شاركوا فيها وأسمع منهم .
اخترت " شريف البندارى " صاحب التجربة الأحدث فى مشوار السينما من بين المشاركين الذى بادرنى بأن التجربة مهمة و ناجحة ومفيدة لأنه منذ فترة لا يوجد ما يسمى جيل ، وبعضنا يرفض أحيانا هذا المصطلح. وجدت أن تفاوت تجاربنا والاجتماع على مشروع واحد يمكن أن يكون تجربة عظيمة، عشر مخرجين، أو هى عشر فرق سينمائية تتجمع لتقدم عملا واحدا. خمسة من العشرة من مواليد عام واحد 1977 مع اختلاف تجاربهم مع السينما الطويلة وهم مروان حامد، مريم أبو عوف، أحمد عبد الله ، أحمد علاء ، وشريف البندارى: " تواجدت فى التحرير مثل كل الناس، لم أفكر فى عمل فيلم ، كنت زى اللى مضروب على دماغه، وسط أمر ضخم جدا، قريب منى جدا، أجدنى غير قادر على التفكير فى عمل أفلام. كنت شاهدت فيديو زمنه واحد دقيقة "هتكلم عن الثورة" وضع على اليوتيوب كرسالة لفنانى الثورة، يطلب منهم أن يأخذوا وقتهم وألا يتعجلوا فى عمل أفلام. ثم تلقيت مكالمة من يسرى نصر الله بعد أسبوعين من الثورة يدعونى للمشاركة فى فكرة عمل فيلم عن الثورة، أكد يسرى، بزيرو ميزانية، انت مع نفسك ،فقط لو احتجت كاميرا، معدات إضاءة، أو مساعدة فى المونتاج ، نصور أفلام لنعرضها فى اليوتيوب، ولو قدرنا نوزعها يذهب العائد للجرحى وضحايا الثورة. على المستوى الشخصى كتبت سيناريو وأخذت رأى يسرى وديا، كنت بين نارين، الانتظار حتى أفهم ما يحدث وأكون رأيا، وبين الرغبة فى المساهمة بدور  وأن تكون حصيلة بيع الأفلام لجرحى الثورة . أى عائد للأفلام حتى لو كانت قيمة جوائز سيكرس للثورة. هذا الهدف النبيل أنسانى قرار عدم فعل شيء الآن . نُبل فكرة عمل فيلم بزيرو ميزانية والعائد للصالح العام. وحتى انتهاء مونتاج فيلمى لم أكن أعرف شيئا عن التجارب الأخرى فى المشروع . أمر آخر من تحدى عمل الفيلم أن كل أعمالى السابقة عن تجارب شخصية، ساعة عصارى به جانب كبير من علاقتى بأبى، صباح الفل فيه من أمى، أما هنا فتجربتى بدأت بالفيلم بعد إنجازه. فى أعمالى السابقة كنت أقرر بقلبى وعقلى، فى هذه التجربة أتحرك بإحساسى فقط والقلب هو الذى يقرر. شغلنى كيف سأعبر عن هذا الحدث الرهيب، عن الميدان، شعرت أننى لو دخلت الميدان فستكون معركة خاسرة، فما يحدث أقوى من أى فيلم فقررت أن أكون خارج الميدان، خارج المظاهرات، خارج القاهرة مع واحد من حزب الكنبة- غير المشاركين فى الحدث-. وكتبت عن رجل عجوز فى مدينة السويس، وهو جد لطفل يصاب بوعكة صحية فجر 11 فبراير فيأخذه إلى مستشفى للعلاج ومع طريق العودة تبدأ أحداث الفيلم وقت حظر التجول. توقف البندارى عن قص فيلمه وجعلنى أشاهد نسخة غير منتهية من الفيلم من على جهاز الكومبيوتر المحمول، الفيلم لم يعرض بعد وركزت فى المشاهدة تتحرك أسئلة داخلى أثناءها، أهمها " لماذا لم ينزل الطفل ليقف بجوار الدبابة ويحقق رغبته؟" أدخل المخرج شخصيته فى متاهة، قرأتها كمتاهته هو حول الثورة بكاملها.  يلخص شريف فى 15 ق المحطات الرئيسة فى عناصر أجواء الثورة، معدات الجيش وجنوده فى شوارع مصر على حواجز، لجان شعبية تمارس دور حماية وظهرت كبديل عن البوليس، الليل فى مدينة لا تشبه العاصمة مع رجل وجد نفسه فى مشكلة مع حفيد يرعاه. ينتهى الفيلم وقد شقشق نور الصباح وتمكن الجد من الوصول لبيته بعد تحرك الدبابات، إظلام للصورة، بما يوحى انتهاه الفيلم دون أن يسمح الجد لحفيده بأخذ صورة مع الجيش. ولكن ها هى لقطة ثابتة للحفيد فوق دبابة مكتوب عليها يسقط مبارك.  ارتحت لهذه النهاية التى كنت أنتظهرها طوال المشاهدة، أن يحقق الطفل رغبته ويأخذ صورة بجوار الدبابة وعساكر الجيش بأسلحتهم. ارتحت للصورة الثابتة للطفل مع الدبابة رغم أنها تبدو كلقطة زائدة غير منسجمة مع مزاج الفيلم. ليس الطفل وحده هو الذى فرح بظهور معدات الجيش فى المدن المصرية فكل أطياف الشعب فرحوا بها .  
أرى الفيلم يواصل عوالم رسمها فيلم شريف البندارى السابق " ساعة عصارى" ودون أن نضع تتر " 18 يوما"، يمكن اعتباره فيلما فى مكان ما عن ظروف ما بشكل يجنح إلى التجريد، رغم كتابته للمكان والزمان على الشاشة. التجربة موقف إنسانى تبدو كحلم كابوسى لحدث غير مفهوم يستعيده العقل الواعى للمخرج  شريف البندارى فى "حظر تجول ". وهى امتداد لمشروعه السينمائى فيما يشكل ثلاثية فيلمية أكثر من كونه جزءا من فيلم عن الثورة.
كاملة أبو ذكرى تواجدت منذ اليوم الأول فى 25 يناير، استوقفها ضابط شرطة ومنعها من التصوير بالكاميرا الصغيرة التى تحملها، وفى 28 يناير كانت مع المظاهرة التى خطط لها السينمائيون والفنانون للانطلاق من ميدان مصطفى محمود حيث الجامع الشهير، سارت جموع الفنانين ومعهم جموع من الشعب حتى حى الدقى وعند سينما التحرير أطلقت قنابل الدخان المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين، لمحت كاملة فتاة فى السادسة عشر ،شعبية انزاحت طرحتها السوداء لتكشف عن شعر أصفر مصبوغ بالأكسجين يقترب من اللون البرتقالى، كانت حائرة بين محاولات تفادى قنابل الدخان وحبك طرحتها لتدارى شعرها. هربنا كل فى اتجاه وجدت نفسى وحيدة بعيدا عن الزملاء وبجوارى نفس الفتاة، وكأن مصيرها ارتبط بى نحتمى ببعضنا. 
تقول كاملة :" حدثنى تامر حبيب- عملت معه فيلم "عن العشق والهوى"-  عن الفكرة التى طرحها مروان بعمل عشر أفلام عن الثورة، وأن يسرى نصر الله بدأ التصوير بالفعل، كنت مندمجة مع ما يحدث فى ميدان التحرير وصورة بنت 14 تداعب مخيلتى، واتصل بى المنتج جابى خورى لنعد لتصوير مسلسل ذات ، مريم نعوم أنهت كتابة 7 حلقات منه، فاعتذرت ليسرى ومروان عن عدم إمكانية عمل فيلم عن الثورة . وبعد شهر توقف المشروع قال جابى الظروف غير مواتية الآن، يسرى بادرنى بالاتصال ثانية، هو القوة الدافعة للفكرة التى بدأها مروان حامد. فى ساعة تجلى تذكرت البنت التى كانت معى يوم 28 يناير على كوبرى أكتوبر، هذه البنت أصبحت فى رأسى هى الفيلم، اتصلت بالكاتب بلال فضل وحكيت له الفكرة، الفتاة ذات الشعر المصبوغ تحت طرحتها السوداء تبيع الشاى فى الميدان، ضغوط المجتمع وفكرة الدين تطاردها، عندما تموت فى النهاية تقول (يارب حتحاسبنى علشان صبغت شعرى ولا هأموت شهيدة؟) اخترت الممثلة ناهد السباعى للقيام بالدور وقدمت الفيلم فى عشر دقائق. فى العرض  بمهرجان كان السينمائى كنت خايفة أطلع زعلانة من الفيلم ككل، ولكنى خرجت مبسوطة بشكل عام، بل اعتبرت النتيجة معجزة نظرا للتوقيت وانعدام الميزانية، السيدة درة بوشوشة التونسية كانت تبكى طوال الفيلم،
عدد آخر من المخرجين العرب والتوانسة بشكل خاص أعجبتهم التجربة منهم المخرج ابراهيم لطيف، بالطبع ككل الأفلام المكونة من أجزاء يحب الواحد منا أفلاما أفضل من أخرى، نختلف حولها ولكن الأفلام العشرة فى مجموعها كانت جيدة. أسعدتنى التجربة ، بكمل البندارى فيلمك قريب من تجربة نظرة إلى السماء. وهو فيلم كاملة القصير قبل تجاربها الروائية الطويلة الناجحة التى بدأت بفيلم "ملك وكتابة وانتهت بفيلم واحد صفر.
اتفق شريف البندارى صاحب التجارب القصيرة الناجحة والمميزة، وكاملة أبو ذكرى التى ثبتت أقدامها فى سوق وصناعة السينما المصرية بعدد من الأفلام الناجحة والهامة على أن "18 يوما" ليس فيلما متصلا تشكل أجزاؤه حالة واحدة، بل يغلب عليه كونه عشرة أفلام قصيرة تتناول كلها موضوع ثورة 25 يناير كل منها من جانب ورؤية خاصة بمخرجه. 
لم أتمكن من لقاء باقى المخرجين،غالبا لسفر بعضهم وعدم حماس بعضهم الآخر لمقابلتى، قد أتابع بعد مشاهدة الفيلم بالكامل فى عرضه المزمع قريبا بدور العرض فى القاهرة.  

No comments:

Post a Comment