Thursday, 26 December 2024

بذرة التين المقدس فيلم محمد رسلوف

 

The Seed of the Sacred Fig

رسلوف يكسر قيود البطريريكة

في" بذرة التين المقدسة"

صفاء الليثي

 

من المرات القليلة التي تظهر فيها النساء بشكل طبيعي في بيوتهن، بدون حجاب على الرأس كما تفرض الرقابة في البلد الذي يعلن عن نظامه الإسلامي، المخرج ايراني والأحداث في ايران ولكن الإنتاج ألماني مما سمح بالظهور الطبيعي لبطلات الفيلم الثلاث الأم وبنتيها مما أشعرني بالراحة وبالاندماج أيضا مع الأحداث دون شوشرة عن مدى الصدق والواقعية في فيلم يعتمد النوع في تصنيفه كفيلم ضد البطريكرية . الأسرة كنموذج مصغر لأبوية النظام ككل حيث يقهر الذكور الإناث وحيث يقعون هم أيضا تحت قهر ذكور في مرتبة وظيفية أعلى، فقد تملك الرعب القاضي الجليل إيمان حين اختفى سلاحه الرسمى وجعله الخوف من العقاب يظهر قسوة غير عادية على نسائه، زوجته نجمة وبنتيه رضوان بالجامعة وسناء بالثانوي فيهرب بهن ويجري معهن تحقيقا لمعرفة أين خبأن المسدس. المأساة العامة المتجذرة في البلد الذي يطبق فاشية دينية على أفراده ويخص النساء بأقصى درجاته يشهد احتجاجات نتيجة حادث معروف لنا عن مقتل فتاة سافرة نعرف اسمها من خارج الفيلم الذي لم يذكره مهسا أميني، ضمن محمد رسلوف فيلمه مشاهد للاحتجاجات مصورة بكاميرات الموبيل وتظهر بشكل رأسي كفيديوهات الموبيل الشائعة، وهي المشاهد التي تتابعها ابنتي القاضي في المنزل فتصيبهما بالقلق على صديقتهما التي شاركت هذه الاحتجاجات. يشرح رسلوف عنوان الفيلم في بطاقة تعريفية في بدايته بأن التينة المقدسة هي شجرة تنشر بذورها في أغصان الأشجار المجاورة لها بحيث تخنق الحياة فيها فتقتل الأشجار التي كانت معيلة لها فتصبح مقدسة. ويترك لنا تفسير هل يقصد الدولة التي ينضوي الجميع تحت لوائها أم يقصد الأجيال التي تنادي بالتغيير وسيغرسون جذورهم في الأرض. وهكذا الفن الحقيقي يفتح المجال لكل التأويلات وان كنت أميل إلى تفسير الشباب الذين يغرسون جذورهم وسيحققون التغيير.  يمضي القسم الأول من الفيلم في عرض التوتر مع السلطة ومساندة الزوجه لزوجها في مسئولياته بعد الترقي، وحين يختفي مسدسه يصبح الصراع داخل الأسرة مؤكدا على فكرة الربط بين العام والخاص ومكثقا لثورة النساء الزوجة والبنتين وتوحدهن معا ضده لينتهي بشكل مأساوي مدفونا تحت رمال منزل انهار وهو يطاردهن، في رمزية واضحة لحتمية انهيار النظام .


  نقد السلطات ليست شجاعة المخرج المهاجر خارج بلده، فمجموع أفلامه يشهد على هذه الشجاعة حتى في أعمال منتجة داخل ايران وسمح لها بتمثيل البلد في مهرجانات دولية ومنها فيلم " المخطوطات لا تحترق " الذي حصل على جائزة نقاد الفيبريسي في مهرجان كان عام 2013 وكان لي شرف اللجنة التي قدمت لرسلوف الجائزة للفيلم الذي شارك في قسم نظرة ما .

فيلم " بذرة التين المقدس" شارك المسابقة الرسمية لعام 2024 وحصد جائزة لجنة التحكيم الخاصة وجوائز الجمهور من مهرجان سيدني السينمائي ومن يو بي إس ومرشح لجائزة النقاد العرب التي ستعلن في مهرجان الجونة 7 .

محمد رسلوف المولود في شيراز ايران 1972 هو مخرج وكاتب ومنتج مستقل، بدأ رسولوف صناعة الأفلام بالأفلام الوثائقية والقصيرة. فاز بجائزة أفضل فيلم في مهرجان فجر السينمائي في إيران عن فيلمه الأول "جاغومان" (الشفق، 2002). وبعد فيلمه الثاني "جزيرة الحديد"، 2005)، بدأ يواجه مشاكل مع نظام الرقابة في إيران وكان في الغالب يستخدم أشكالًا مجازية لسرد القصص كوسيلة للتعبير في أفلامه. ثم بعد هجرته تحول إلى استخدام أشكال أكثر مباشرة للتعبير كما يتضح في " بذرة التين المقدسة".


الصورة مع رسلوف بعد استلام جائزة الفيبريسي عن فيلمه بمهرجان كان 2013 وكنت بلجنة التحكيم مع زميلة كورية وأخرى فرنسية ألمانية. 

Monday, 13 May 2024

نافذة على فلسطين بالجونة السينمائي 6

 

بلا سقف القصير وملحمة باب الشمس

صفاء الليثي

بعد عاصفة طوفان الأقصى التي فاجأت العالم في السابع من أكتوبر 2023 وفي الذكرى الخمسين لهزيمة 1967 عادت القضية الفلسطينية لتتصدر المشهد السينمائي العالمي، وبتأثير الصدمة ألغيت مهرجانات كالقاهرة وقرطاج وتأجل مهرجان الجونة ليقام بعد أن اتخذ قرار بإقامة دورة استثنائية يكون بها برنامج خاص عنوانه " نافذة على فلسطين" تمت فيه عروض استعادية لأفلام قصيرة وطويلة شكلت نظرة متنوعة على أفلام تعبر عن فلسطين بطرق مختلفة. جذبني فيلم "تحت السقف" القصير انتاج 2017، بإضاءة زرقاء تطغى على الصورة نشاهد امرأة تقوم بإعداد وجبة الإفطار لعائلتها في شهر رمضان. تأتيها مكالمة هاتفية من جندي إسرائيلي تنبهها إلى قصف مبناها خلال 10 دقائق. في فلسطين التي مزقتها الحرب، جنون الآلة للدولة الاستعمارية مستمر ونشاهده ليس في الفيلم فقط بل نسمع ونشاهد عبر نشرات الأخبار. الفيلم للمخرج الإيراني سينا سليمي حصل على جائزة يوسف شاهين لأفضل فيلم قصير لعام 2017 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في مسابقة سينما الغد الدولية، ورشح للعديد من الجوائز من مهرجانات الفجر السينمائي لعام 2018 ومهرجان كينوفيلم مانشستر الدولي للفيلم القصير.

عالمية القضية الفلسطينية فرضت فريق عمل مكون من مخرج إيراني وممثلة أردنيه ومونتير مصري يسجل بصوته مكالمة ضابط اسرائيل بشكل مقنع تماما وبرع في مزج أزمنة الفيلم، ساعده التصوير والإضاءة شديدة التميز بتنويعاتها من إضاءة نافذة نهارا ومن الشموع والكلوب عند انقطاع الكهرباء، ليخرج هذا الفيلم القصير بهذه الروعة والاكتمال رغم بساطة فكرته التي نعرفها من شرائط الأخبار.

بالجونة السادس تم عرض النسخة المرممة من " باب الشمس " بجزأيه الرحيل والعودة، كانت فرصة لتكوين قراءة جديدة للفيلم وخاصة لجزأه الثاني "العودة" غير المتاح على الشبكة الدولية بينما يتوفر "الرحيل" الذي يناسب أسلوبه الملحمي ذائقة المشاهد العربي، بما يحفل به من حقائق عن فلسطين النكبة وهزيمة الجيوش العربية التي دفعت المقاومة المسلحة لتأخذ مكانها من خلال قصة البطل يونس وزوجته نهيرة التي ركز عليها الفيلم متتبعا سرد الرواية ومقتبسا حوارات كاملة ومواقف ومشاهد نقلت من الرواية إلى فن السينما. بعد مرور عشرين عاما أجد بالفيلم قدرا من الرومانسية الثورية، كما أجد قدرا من المبالغة في نقد الثوار وتحميلهم ما وصل إليه الوضع. وقت عرض الفيلم احتفى الناقد سمير فريد وكتب في جريدة الجمهورية تحت عنوان باب الشمس الرحيل والعودة ( فيلم ينتصر للحياة وليس فيلما عن الموت) وعنوان ترويجي ( يسري نصر الله يتحدى أيام العيد) احتفت الصفحات الفنية بالجرائد المصرية بالعرض العام لفيلم "باب الشمس" كتب سمير فريد في باب فنون بجريدة الجمهورية: أنه تبدأ اليوم سينما 2005 في مصر مع أول أيام عيد الأضحى المبارك، وهو عيد للسينما أيضا فاليوم يبدأ عرض "باب الشمس" أحدث أفلام فنان السينما المصري العالمي الكبير يسري نصر الله ، يفتح باب الشمس في مصر بعد أن فتح لأول مرة في مهرجان كان العام الماضي أكبر مهرجانات السينما. وبعد أن عرض بنجاح في مهرجان قرطاج في تونس ومهرجان مراكش في المغرب.

مر على إنتاج "باب الشمس" حوالي عشرين عاما فيها جدت في الأمور أمور، ووضحت صورة الانحيازات الغربية التي يؤكدها تصريح بايدن ( لو لم توجد اسرائيل لأوجدناها) وأصبح واضحا للكافة أن إقامتها ضرورة للرجل الأبيض المستعمر الذي عمل ويعمل دائما على إضعاف العرب واستغلالهم لمعركته القادمة مع التنين الصيني .

مقطع من مقال تأخر تشره،  فرغبت في حفظه هنا بمدونتي الخاصة. 

 

 

Saturday, 17 February 2024

عن التسجيلي الرائع طريق 181 للمخرج ميشيل خليفي 2003

  "طريق 181 – شظايا جولة إلى فلسطين–اسرائيل"

بقلم: منى مكرم*

 

كتبت هذه الورقة بناء علي طلب من أ/ صفاء الليثي و شعرت بصعوبة هذا التكليف و ثقل مسؤوليته.و أقول ورقة لأنني أحاول جاهدة أن اقترب من كتابة ورقة بحثية اكثرمن مقال، الورقة البحثية ليست بالضرورة تكتب للأكادميين ولكن كل مقال ممكن ان يكون ورقة بحثية يكتب بحثا عن الحقائق، يبحث في اغوار النفس البشرية و تاريخ الانسانية. ولكن المخيف هواننا كلما اقتربنا من الحقيقة كلما هربت،كلما عرفنا معلومات اكثر كلما زاد اللون الرمادي (كالفن).

سواء اتفقنا او اختلفنا مع مقولة كالفن، فمن المؤكد أن الطريق للحقيقة شاق ملئ بالأكاذيب والتزييف.

و عندما عرفت ان الورقة المطلوبة عن فيلم طريق 181 زادت  صعوبة التكليف و لكنني حاولت.....

و كل محاولة لها شرف يناله صاحبها، و كذلك مخرجي الفيلم التسجيلي طريق 181

اللذان توليا انتاج فيلم "طريق 181 – شظايا جولة الى فلسطين–اسرائيل". هما (ايال سيفان وميشيل خليفة ) عرض الفيلم في عدة مدن فلسطينية وفي دول أوروبية (فرنسا، بلجيكا، بريطانيا، ألمانيا). مدة الفيلم 4 ساعات ونصف الساعة، بالعربية والعبرية، وهو مترجم إلى الانجليزية.

اسم الفيلم مأخوذ عن قرار التقسيم رقم 181 الصادر عن الامم المتحدة عام 1947.

تدور أحداثه في جولة على طول حدود التقسيم، والتي لم تطبق على أرض الواقع. الفيلم هو موقف احتجاجي ضد الانفصال والجدار الفاصل.

 
يعكس الفيلم مدى بشاعة وعنصرية المجتمع الاسرائيلي. صاحبة مطعم "فندق فاردة"، الواقع على أراضي قرية المسمية، تروي للكاميرا أن فلسطينيين يأتون أحيانا للبحث عن بيوتهم. ثم تقول بتهكم أنها تأمل ألا يطالبوها يوما بالمطعم، وتضيف من بعدها بجدية تامة أنه يجب طرد كل العرب من اسرائيل. لخليفة تقول بقسوة: "فقط عندما ترحل سيكون سلام".
عندما يقابل المخرجان مدير الشركة التي صنّعت الأسلاك الشائكة للجدار الفاصل (في مراحل البناء الأولى)، تنكشف الاعتبارات الاقتصادية من وراء الجدار. يقول المدير أن هذه الأسلاك لا تستخدم عادة لأسباب إنسانية، ربما لأن أطرافها حادة جدا، وطويلة وقادرة على الاختراق للعمق. قد تكون هذه الأسلاك ممنوعة في المواثيق الدولية.
"دولة اسرائيل استثمرت في الجدار حتى الآن 600 مليون شيكل. وهذا ما أنقذ المصنع الذي كان في عهد السلام على وشك الإغلاق. لا شك أن هذا مصدر رزق بالنسبة لنا".
يعرض الفيلم الوجه الآخر لكل مجتمع. في المجتمع الفلسطيني تبرز الفجوة بين الجيل القديم الغارق في ذكريات ال1948، والجيل الشاب الذي لم يعرف النكبة ويفتقر للوعي السياسي والإلمام بتاريخ شعبه. في ورشة بناء يجيب عامل شاب عن سؤال للمخرجين حول قرية كانت موجودة في نفس الموقع، بالقول: "الأمر لا يعنيني"، ويقول عامل آخر: "فلسطين لم تعد تهمني، المهم أن أجد مصدرا للعيش".
في المجتمع الاسرائيلي ايضا تُسمع أصوات مختلفة. في المشاهد الأخيرة تنتقد امرأتان يهوديتان شرقيتان دولة اسرائيل وطابعها العنصري. مؤثرة جدا أقوال أم ثكلت ابنها في احدى الحروب: "لهذا السبب أكره اسرائيل. في هذه البلاد تشعر أنك تملك كل شيء، ولكنك لا تملك شيئا. لو كان بمقدوري إعادة العجلة للوراء، لعدت إلى تونس".

و لا يوجد أبلغ من المثال الذي سمعناه من المخرج أثناء الحوارعن سليمان النبي مع الأم الحقيقية والأخري المزيفة ، الأم الحقيقية لم تقبل بتمزيق الابن والمزيفة قبلت.


 قال المخرج سيفان: "وُلدت فكرة الفيلم في أواسط الانتفاضة الثانية، أثناء عملية السور الواقي (نيسان 2002)، عندما رأينا أن المجتمعين يتجهان نحو الانفصال. قررنا أن نقابل الناس في كلا الطرفين ونعطيهما فرصة الحديث. لم نشأ أن نقدم الحلول، بل أن نحدد المشكلة. أردنا أن نقول أن المشكلة هي في الاستعمار. إذا استطعنا أن نقنع المشاهد بأن هذه طبيعة المشكلة، يمكن عندها بدء الحديث عن الحل، الذي هو في رأيي بناء عالم مشترك".

* إيال سيفان من أهم نقاد سينمائيين سياسيين "يهود" لاذعين يعيش في باريس, ويُدَرٍس في عدة كليات وجامعات منهم المدرسة العربية الفلسطينية للسينما، كلية سابير، الجامعة الإيطالية وغيرها..من أهم أفلامه "طريق 181"، "محاكمة أيخمان"،و"أذكر عبيد الذاكرة".

 

حاشية: كنت مسئولة النشاط بجمعية نقاد السينما المصريين، استضفنا المخرج ميشيل خليفي في مقرنا العريق 36 ش شريف بالقاهرة بعد أن عرضنا الفيلم على جزأين اذ يبلغ طوله أربع ساعات ونصف الساعة. فكرته الأساسية أنه كان هنا قرية عربية وتغيراسمها لتصبح يهودية. كاتبة المقال كانت تتردد على الأنشطة وكلفتها بكتابة ورقة نوزعها مع النشاط، لا أعرف أين هي الآن وان كانت بمصر أم بالخارج ، وجدت مقالها مناسب نشره الآن مع حرب غزة.

وأرفق أيضا هذه المراجعة السريعة للفيلم مع تجميع لأفيشات أفلام ميشيل خليفي 

مهرجان سان فرانسيسكو السينمائي الدولي 2004 – الجزء الأول

الغضب في الشرق الأوسط

جوان لوريير

20 أبريل 2004

الطريق 181: أجزاء من رحلة في فلسطين-إسرائيل، إخراج ميشيل خليفي وإيال سيفان

يتزايد الغضب العالمي رداً على تصاعد العنف القاتل والقمع الذي تمارسه حكومة أرييل شارون الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني. ويشعر قسم من السكان الإسرائيليين بالغضب – والخجل – أيضاً من الجرائم المرتكبة باسمها. أحد التعبيرات عن هذه المشاعر المعارضة هو ظهور الأفلام الوثائقية التي تعالج تاريخ الدولة الصهيونية بشكل نقدي وتفحص عدوانها الحالي. تم عرض فيلمين في المهرجان - أحدهما من إنتاج مخرج إسرائيلي والآخر من إخراج مخرجين وثائقيين فلسطينيين وإسرائيليين - يسجلان احتجاجات قوية وبليغة حول محنة الفلسطينيين.

هذه هي المقالة الأولى في سلسلة من المقالات حول مهرجان سان فرانسيسكو السينمائي الدولي لعام 2004، الذي انعقد في الفترة من 15 إلى 29 أبريل.